قد تنتزع نفسك انتزاعاً من وسط مشاغلك، تتوضأ ثم تبحث على عجل عن مكان تؤدي صلاتك فيه، وما إن تنطق بتكبيرة الإحرام حتى تهجم عليك الأفكار من كل حدب وصوب، هل فعلت هذا؟ هل فعلت ذاك؟ ماذا ستفعل بخصوص ذلك الموضوع؟ كيف سترد على فلان؟ وبماذا ستجيب فلان؟ وفجأة تنتبه لشيء مهم .. لقد أنهيت صلاتك دون أن تعرف ماذا قلت أو فعلت فيها!
هل سبق أن حدث هذا الأمر معك؟ إذا كانت إجابتك “نعم” فأنت لست الوحيد، فمعظمنا يمر بهذه الحالة، وخصوصاً إذا كنا مشغولين جداً بالكثير من الأشياء المحيرة والتي يتوجب علينا أن نتخذ قراراً حاسماً بشأنها، فقد أصبح التركيز في الصلاة أحد التحديات التي يواجهها الكثير من المسلمين في هذا العالم الصاخب.
وفي الواقع ليس هناك من يمتلك وصفة سرية لتحقيق الخشوع، فالخشوع جهاد للنفس والشيطان، وهو معركة لا بد لكل مسلم من خوضها مهما كانت صعبة، وذلك لأن الخشوع روح الصلاة، وسرها الأعظم، فالصلاة صلة بين العبد وربه، فكيف تكون الصلة وقلب العبد لاهٍ في مكان آخر؟
في هذا المقال سنشارك معكم بعض نصائح أهل العلم التي ستعينكم على تحقيق الخشوع في الصلاة بإذن الله.
– أولا : استحضار عظمة الله تعالى، والإقبال عليه:
على المسلم أن يستحضر معنى تكبيرة الإحرام عند النطق بها، فعندما يقول (الله أكبر) عليه أن يعلم في نفسه أن الله أكبر وأهم من كل ما يمكن أن يشغل باله من أمور الدنيا مهما بلغت أهميتها، فما الدنيا إلا مزرعة الآخرة، وكل نجاح في الدنيا إن لم يرتبط بالله، ولم يكن لله، كان هباءً منثورًا في ميزان الآخرة.
-ثانيا : التفكر في معاني ما نقرأ من القرآن والأذكار:
القرآن رسالة من الله إلى البشرية، وكل كلمة فيه مقصودة في مكانها، لذا وجب على المسلم أن يحرص دومًا على فهم معاني القرآن، واستحضارها والتفكر فيها أثناء الصلاة، فهذا أجلب للتركيز والخشوع.
أما بالنسبة لأذكار الصلاة، فهي سنن عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة ومتنوعة في صيغها، فمثلاً،هناك عدد من الصيغ التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم لدعاء الإستفتاح، (وهو الدعاء الذي يقال بعد تكبيرة الإحرام، وقبل البدء
بقراءة الفاتحة)، ومن هذه الصيغ:
“اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبَرَد”.
“وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. ، وفي رواية: وأنا أول المسلمين”
“سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك”
ويستطيع المسلم أن يختار صيغة من هذه الصيغ مثلاً في كل صلاة، بل يجوز له أن ينوع في أذكار الركوع والسجود في ركعات الصلاة نفسها، أو أن يجمع بين الأذكار المختلفة كذلك في الركوع أو السجود نفسه، وهذا سيجعله أكثر تركيزاً وأكثر خشوعاً بإذن الله.
– ثالثًا : اختيار مكان هادئ للصلاة:
على المسلم أن يختار مكاناً بعيداً عن الضجيج والصخب بقدر المستطاع عند أداء الصلاة، فهذا سيعينه على التدبر فيما يقرأ ويزيد من خشوعه في صلاته.
– رابعًا : طلب العون من الله تعالى:
إن الاستعانة بالله وطلب مساعدته بشكل مستمر، نوع من العبادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الدعاء هو العبادة” رواه أحمد وأصحاب السنن.
لذلك، على المسلم أن يجتهد في الدعاء وطلب العون من الله في كل أموره، ولا سيما الخشوع في الصلاة، فمهما كان تحقيق الخشوع صعباً، فإن على المسلم أن يعمل بجد لتحقيقه، ويتوكل على الله ويجتهد في الدعاء، فإن علم الله صدق نواياه ورأى إقباله عليه فإنه سيوفقه في ذلك ويعينه عليه، فهذا وعد قطعه الله على نفسه حين قال: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” العنكبوت: 6.
لا تنسى المشاركه