الآداب العامة للقرآن
إنّ لمعرفة أهداف القرآن الأساسيّة واستحضارها دوراً فعّالاً ومؤثراً في الاستفادة منه. لأنّ الله تعالى لم ينزّل كتابه إلى الناس لغواً وعبثاً بل لأهدافٍ واضحةٍ ومحدّدة. ويمكن أن نلخّص الهدف الأوّل والأخير لهذا الكتاب الشريف بأنّه كتاب هداية الإنسان

من الآداب المعنوية الأخرى للتمسّك الصحيح بالقرآن الكريم:

معرفة أهداف القرآن ومقاصده

إنّ لمعرفة أهداف القرآن الأساسيّة واستحضارها دوراً فعّالاً ومؤثراً في الاستفادة منه. لأنّ الله تعالى لم ينزّل كتابه إلى الناس لغواً وعبثاً بل لأهدافٍ واضحةٍ ومحدّدة. ويمكن أن نلخّص الهدف الأوّل والأخير لهذا الكتاب الشريف بأنّه كتاب هداية الإنسان إلى الله تعالى. فكلّ آية من آياته إنّما تهدف إلى توثيق الصلة وتعميقها بين الإنسان وخالقه لكي يهتدي في نهاية المطاف إليه. ويتفرّع عن هذا الهدف الأساسي أهدافٌ أخرى كلّ واحدٍ منها يأخذ بيد الإنسان إلى المقصد النهائي وأهمّها:
1- الدعوة إلى معرفة الله.
2- الدعوة إلى تهذيب النفس.
3- بيان كيفيّة تربية الأنبياء من جانب الحقّ تعالى.
4- بيان كيفيّة سلوك الأنبياء الذين هم قدوة البشر.
5- بيان أحوال الكفار وأسباب انحرافهم.
6- بيان قوانين الشريعة والآداب والسنن.
7- ذكر المعاد وأحواله.

وما على قارئ القرآن أثناء تلاوته لكتاب الله سوى البحث عن مغزى كل آية ومقصدها والوقوف عند هذا المقصد ومن ثمّ ربطه بالهدف الأساسي وهو ربط الإنسان بخالقه لكي تتحقق الهداية المطلوبة والفائدة المرجوّة.

التفكّر

قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُو﴾1. التفكّر هو البحث عن المقصد والمقصود في الآيات. وحيث إنّ مقصد القرآن هو الهداية إلى سبل السلام والخروج من الظلمات إلى النّور، فعلى القارئ أن يتفكّر في الآيات باحثاً عن الهداية والنور فيها. وقد جعل الله تعالى التفكر غاية إنزال هذا الكتاب السماوي ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾2، ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾3، وذلك لسببٍ أساسي وجوهري هو أنّ التفكّر حياة القلب كما في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره، فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بِالنّورِ”4. لذا يحذّر الحقّ تعالى من عدم التدبر في القرآن والتماس البصيرة والمعرفة المطلوبة للوصول إلى مقصد كل آية، لأنّ في ذلك الخسران المبين: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ﴾5.

برنامجٌ عمليٌّ للتفكّر في القرآن:

رغم أنّ التفكّر أمرٌ نفسانيّ لا يمكن أن ينفصل عن الإنسان طوال حياته، فإنّ البعض يجدون في التفكّر في القرآن صعوبةً بالغة. وكلما حاولوا التفكّر في آياته وجدوا آلاف الأفكار الأخرى تنهال عليهم من كل حدبٍ وصوب، كلّ واحدة تمنعهم من التأمّل والتدبّر المطلوب. ولأجل تحصيل ملكة التفكّر الهادئ والمركّز، ينبغي الالتفات إلى المسائل التالية:
1- ليس مجرّد التفكّر هو المطلوب، بل التفكّر الهادف الذي يبحث فيه المفكّر عن أمرٍ ما.
2- التفكّر المركّز يدلّ على الاهتمام. فإذا لم تكن مهتماً أو كان لديك ما هو أهم، لن تتمكن من تحصيل التركيز المطلوب.
3- ويحتاج المفكّر إلى موادَّ خامٍّ يستخدمها في عملية البحث عن ذلك الأمر المطلوب. وهذه المواد ينالها من خلال التعلّم والمطالعة. وإذا كنت تريد التفكّر في آية ٍما، فاقرأ حولها بعض التفاسير والروايات.

التطبيق

وهو من الآداب الأساسية، والمقصود منه تطبيق ما تعلّمه الإنسان من القرآن في حياته العملية. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من تعلّم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حب الدنيا وزِينتها استوجب سخط الله، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم”6. فعندما يتفكّر القارئ في الآيات الشريفة التي يمرّ عليها وينظر إلى أهدافها عليه أن يستخرج منها الأمور العملية ويقوم بتطبيقها على نفسه. فإذا قرأ قصة آدم عليه السلام وما جرى عليه وفكّر في سبب مطرودية الشيطان من مقام القرب مع كل عباداته الكثيرة وسجداته الطويلة، فإنّه سوف يتعرّف إلى الأوصاف الإبليسية والأخلاق الشيطانية ويعلم أنّ كلّ من يتّصف بها مطرودٌ لا محالة. فتكون العبرة والفائدة العملية هي: لزوم تطهير النفس من هذه الصفات لأنّ مقام القرب الإلهي مقام المطهّرين.

كيفيّة التطبيق:

عندما يتفكّر القارئ في كلّ آيةٍ يمرّ عليها، عليه أن يستخرج مفادها العملي ويقوم بتطبيقه على نفسه. مثلاً، إذا قرأ قصة آدم عليه السلام وما جرى عليه، وفكّر في سبب مطروديّة الشيطان من جناب القدس، مع تلك العبادات الطويلة والسجدات الكثيرة، وسأل نفسه لماذا أخرج الله تعالى إبليس من جوار قدسه، بعد أن كان في مجمع الملائكة. سيعلم أنّ كثرة العبادة لا تشفع للإنسان، وأنّ الصفات الإبليسية الّتي هي التكبّر والاستعلاء تكون سبباً للطرد والبعد.

مثالٌ آخر: التفكّر في سبب امتياز آدم وأفضليته على الملائكة المقربين الذين كانوا من أهل التسبيح والتقديس والعبادة. فالملائكة بعد أن تساءلت عن خليفة الله المقبل، عرّفها الله تعالى إلى صفةٍ أساسية له وهي: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَ﴾7. فما هي حقيقة تعلّم الأسماء؟ إن التفكّر في هذه الأسئلة يوصل القارئ إلى حقيقةٍ وهي أنّ هذا التعليم للأسماء هو التحقّق بحقيقتها. يقول الإمام الخميني: “الإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لأسماء الله والآية الإلهية الكبرى بالارتياضات القلبية، حتى يصبح وجوده وجوداً ربانياً”8. وإذا أدرك قارئ القرآن سرّ وجوده وهبوطه إلى الأرض، ربما يلتفت إلى ما أودع الله فيه، ويعلم أنّ الوصول إلى تلك الحقيقة التي من أجلها وُجِد إنّما يكون بتعلّم الأسماء، وهذا ما لا يتيسّر إلَّا بترك الأوصاف الإبليسية التي على رأسها العجب والتكبّر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *