السؤال : إذا كانت الحور العين جزاء للمؤمنين فى الجنة فماذا يكون جزاء المؤمنات؟

الجواب : للإجابة على السؤال لابد من ذكر هذه المقدمة حيث تثار الآن قضية المساواة بين الجنسين.

1 – المساواة فى مفهومها الصحيح هى إتاحة الفرصة لكل من الرجل والمرأة أن يكمل نفسه ماديا وأدبيا، وبهذه الإتاحة تكون المساواة، بصرف النظر عن حجمها ونوعها، قال تعالى {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} 

النساء: 32، وقال {لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}

 آل عمران: 195، وذكر حديث وافدة النساء أن حسن قيام المرأة بواجبها نحو زوجها وأولادها يعدل ما يقوم به الرجل من مهام.

2 – وقد جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص واستعدادات تتناسب مع الدور الحيوى الذى يؤديه فى الدنيا، فى جو من التعاون على تحقيق الخلافة فى الأرض، فالخصائص البيولوجية مختلفة فيهما، وليست متساوية تماما، ولها تأثير على الفكر والعاطفة، وبالتالى على السلوك. وعلى أساسها كان توزيع الاختصاص فى هذه الشركة التعاونية. قال تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} 

النساء: 34، ومن هنا لا يصح أن يقول واحد منهما: لماذا لا يعطينى الله مثل ما أعطى الآخر، وإلا لما كان هناك داع إلى خلق نوعين. وقد جاءت الأديان كلها مقررة لهذه الحقيقة، وعلى أساسها وضعت التشريعات السماوية، بل الوضعية أيضا.

3-من المعلوم أن الرجل صالح فى كل وقت -إذا لم يكن هناك موانع – لإتمام عملية الإخصاب من أجل التناسل الذى هو المهمة الأولى لخلق الذكر والأنثى من كل صنف من المخلوقات، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين}

 الذاريات: 49، أما الأنثى فهى غير مستعدة لذلك إلا بنسبة ضئيلة، وهى يوم أو يومان فى كل شهر عند نضج البويضة، ولا يكون هناك فى الأعم الأغلب إلا حمل واحد فى كل عام، فإذا شغلت بحمل فلا يمكن لحمل آخر أن يزاحمه أو يفسح له المجال  ولأجل أن الغرض من هذا التكوين هو تنظيم التناسل والشهوة أباحت الأديان كلها تعدد الزوجات لرجل واحد، وحرمت تعدد الأزواج لامرأة واحدة، لأنه سيكون لمجرد إرضاء الشهوة لا غير. وما يقال عن عدم التعدد فى ديانات غير الإسلام فهو تعاليم كنسية ليست من الشريعة الموحى بها.

4 – ليكن معلوم أن قوانين الآخرة لا توافق دائما قوانين الدنيا، فالأكل هنا هو للشبع وتتبعه فضلات قذرة، وليس الأمر كذلك فى الجنة، والزواج هنا للحاجة إلى النسل ولا حاجة إليه فى الجنة، وإن كانت للبعض رغبة فى الولد فلا يتحتم أن يكون عن طريق الولادة، كما قال بعض العلماء ” مشارق الأنوار للعدوى ص 186 “.

وما يجىء من التشابه فى النصوص المتصلة بالأكل والشرب والمتع فى الجنة فهو أسلوب يقرب المعنى إلى الأذهان بالمعهود عند الناس، ذلك لأن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهناك عبارة مشهورة تقول: كل ما خطر ببالك فالجنة على خلاف ذلك.

ويظهر ذلك الاختلاف فى القوانين فى الخمر التى جاء فيها “لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ” وفى الحور العين اللاتى وصفهن اللَّه بقاصرات الطرف، أى لا يحببن غير أزواجهن، ولا يشتهين غيرهم، ولا توجد غيرة بينهن إذا تعددن لرجل واحد، وهذا أمر يتناقض مع الطبيعة البشرية فى الدنيا.

5 -تحدث القرآن عن نعيم الجنة فى الناحية الجنسية، وركز على الرجل بالذات، وأغراه بالعمل لدخول الجنة لينعم بزوجات فيهن كل الأوصاف المغرية، وجاء فى الحديث المتفق عليه بين البخارى ومسلم أن الرجل الواحد سيكون له أكثر من زوجة، فقد أخرجا عن أبى هريرة رضى الله عنه أن الصحابة تذاكروا: الرجال أكثر فى الجنة أم النساء؟ فقال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما فى الجنة رجل إلا وله زوجتان، إنه يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها عزب ” وجاء فى أحاديث أخرجها الترمذى وصححها أن العبد يزوج فى الجنة سبعين زوجة، وفى حديث لأحمد والترمذى وابن حبان أن أدنى أهل الجنة منزلة له ثنتان وسبعون زوجة.

فأين الحديث عن المتعة الجنسية للمرأة، وهل لها أن تتمتع بأكثر من رجل كما يتمتع الرجل بأكثر من امرأة؟ وإذا كانت مع زوجها فى الجنة كما قال تعالى {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم}

 الرعد: 23، فكيف تحس بالنعيم مع أن الغيرة تملأ قلبها من ضرائرها الحسناوات؟ أ-التركيز على نعيم الرجل لأن شهوته طاغية، فهو طالب لا مطلوب، فوعده الله بما يحقق رغبته فى هذه اللذة إن جاهد نفسه وعف عن الحرام. أما المرأة فشهوتها ليست طاغية كما يقول المختصون، وإن اشتدت فى فترة نضج البويضة يوما أو يومين فى الشهر فهى فى غالب أيامها مطلوبة لا طالبة. وما قيل من أن شهوتها أقوى من شهوة الرجل بنسبة كبيرة فليس عليه دليل صحيح، والواقع خير دليل. ومع ذلك فلا تحرم المرأة من هذه اللذة فى الجنة، وستكون مع زوجها ذلك {إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون * هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون} 

يس: 55، 56، ومن لم تتزوج إما أن يزوجها الله -حيث لا يوجد عزب فى الجنة كما فى الحديث السابق الذى رواه الشيخان، وإما أن يمتعها بلذة أخرى تقنع بها.

ب – قد يكون هناك تعويض عن هذه اللذة بالقناعة بمنزلتها عند زوجها وبمتع أخرى يعلمها الله وحده {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين}

 الزخرف: 71.

وقد قيل: إن الله يكسوها جمالا لا تحس معه نقصا بالنسبة للحور العين، وأن لها السيادة عليهن، وهى لن تحب رجلا غير زوجها كالحور العين قاصرات الطرف.

ج – ليس فى الجنة غيرة بين الزوجات -كما فى الدنيا- لأنها تنغص النعيم، وليس فيها حسد ولا حقد ولا حزن ولا أى ألم أبدا، حتى تتم اللذة لأهل الجنة كما قال تعالى: {ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين * لا يمسهم فيها نصب}

 الحجر: 47،48، وقال على لسان أهل الجنة {الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور * الذى أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} فاطر: 34، 35