ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:  لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل[1] والمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية، من أن الأشياء تعدي بطبعها، فأخبرهم ﷺ أن هذا الشيء باطل، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده، فقال بعض الحاضرين له ﷺ: يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء، كأنها الغزلان، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها، فقال ﷺ: فمن أعدى الأول[2].
والمعنى أن الذي أنزل الجرب في الأول هو الذي أنزله في الأخرى، ثم بين لهم ﷺ أن المخالطة تكون سبباً لنقل المرض من الصحيح إلى المريض، بإذن الله ، ولهذا قال ﷺ: لا يورد ممرض على مصح[3].
والمعنى: النهي عن إيراد الإبل المريضة ونحوها بالجرب ونحوه مع الإبل الصحيحة؛ لأن هذه المخالطة قد تسبب انتقال المرض مع المريضة إلى الصحيحة بإذن الله، ومن هذا قوله ﷺ: فر من المجذوم فرارك من الأسد[4]، وذلك لأن المخالطة قد تسبب انتقال المرض منه إلى غيره، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن انتقال الجذام من المريض إلى الصحيح إنما يكون بإذن الله، وليس هو شيئاً لازماً.
والخلاصة: أن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها، وإنما الأمر بيد الله سبحانه. إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك.
ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يفضي إلى الشر.
أما قوله ﷺ: ولا طيرة فمعناه: إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم فأبطلها النبي ﷺ وقال في الحديث الآخر: الطيرة شرك الطيرة شرك. وقال عليه الصلاة والسلام: إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك[5].
وروي عنه ﷺ أنه قال: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك[6].
وأما الهامة: فهو طائر يسمى البومة، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت هذا البيت، فأبطل النبي ﷺ ذلك.
وأما قوله ﷺ: ولا صفر فهو الشهر المعروف وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون به. فأبطل النبي ﷺ ذلك، وأوضح ﷺ أنه كسائر الشهور ليس فيه ما يوجب التشاؤم. وقال بعض أهل العلم: إنها دابة تكون في البطن تسمى: صفر.. وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيها أنها تعدي فأبطل النبي ﷺ ذلك.
وأما النوء فهو واحد الأنواء، وهي النجوم وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون ببعض النجوم فأبطل النبي ﷺ ذلك.
وقد أوضح الله سبحانه في القرآن العظيم أنه خلق النجوم زينة السماء ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر؛ كما قال الله سبحانه: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ [سورة الملك:5]، وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [سورة الأنعام:97]، وقال سبحانه: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [سورة النحل:16].
وأما الغول: فهو جنس من الجن يتعرضون للناس في الصحراء، ويضلونهم عن الطرق ويخوفونهم، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيهم، وأنها تتصرف بقدرتها، فأبطل الله ذلك. وروي عنه ﷺ أنه قال: إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان والمعنى أن ذكر الله يطردها، وهكذا التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يقي من شرها وشر غيرها، مع الأخذ بالأسباب التي جعلها الله أسباباً للوقاية من كل شر.
أما الفأل: فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة، فتسره، ولكن لا ترده عن حاجته، وقد فسر النبي ﷺ الفأل بذلك فقال ﷺ: ويعجبني الفأل قالوا: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة أ.هـ.
ومن أمثلة ذلك أن يسمع المريض من يقول: يا سليم يا معافى فيسره وهكذا إذا سمع من ينشد ضالة: من يقول: يا واجد، أو يا ناجح أو يا موفق ذلك ويتفاءل به.
والله ولي التوفيق.من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحة الشيخ ابن باز من مجلة الدعوة، وقد أجاب عنه بتاريخ 24/12/1418هـ.
أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء، برقم 2222.أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا صفر – وهو داء يأخذ البطن – برقم 5717، ومسلم في كتاب الطب، باب في الطيرة، برقم 2220.أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب لا عدوى، برقم 5775، ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء، برقم 2221.أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الجذام، وأحمد في المسند، باقي مسند المكثرين، باقي المسند السابق، برقم 9429.أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الطيرة، برقم 3919.أخرجه الإمام أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه برقم 7005.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *