في زحمة الحياة وانشغالاتها، ينسى كثير من الناس أن لأوقات النهار أسرارًا روحية عظيمة، جعلها الله تعالى محطات للطمأنينة والتزود بالطاقة الإيمانية. ومن هذه المحطات المضيئة تأتي صلاة الضحى، الصلاة التي يغفل عنها الكثيرون رغم ما تحمله من خير عظيم وفضل كبير، حتى وصفها النبي ﷺ بأنها “صدقة عن كل مفصل من مفاصل الجسد”.
إنها صلاة النور والرزق، صلاة تبدأ بها نهارك فتفتح أمامك أبواب التوفيق، وتزرع في قلبك السكينة، وتجعل يومك مباركًا من أوله إلى آخره. في هذه المقالة سنأخذك في رحلة روحية نتعرف فيها على أسرار صلاة الضحى، فضلها، وقتها، وعدد ركعاتها، وكيف يمكن للمسلم أن يجعلها عادة يومية تزيده قربًا من الله وتملأ حياته بالبركة.
ما هي صلاة الضحى؟
صلاة الضحى هي إحدى السنن المؤكدة التي واظب عليها النبي ﷺ وأوصى بها أصحابه. تؤدى بعد شروق الشمس بوقت يسير حتى قبيل صلاة الظهر. سميت “صلاة الضحى” لأن وقتها يكون في الضحى، أي في وقت ارتفاع الشمس وسطوعها.
وقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال: “يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة… ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى”. هذا الحديث الشريف يوضح أن صلاة الضحى ليست مجرد نافلة، بل هي بمثابة شكر يومي لله على نعمة الجسد وصحة الأعضاء.
وقت صلاة الضحى
يمتد وقتها من بعد شروق الشمس وارتفاعها بمقدار رمح (أي بعد حوالي ربع ساعة من الشروق) حتى قبيل أذان الظهر. لكن أفضل وقت لها هو عندما تشتد حرارة الشمس ويشتد ضياؤها، وهو ما يسمى بـ وقت الضحى الأكبر.
عدد ركعات صلاة الضحى
من رحمة الله أن جعل هذه الصلاة خفيفة ومرنة، بحيث يستطيع كل مسلم أن يؤديها بحسب وقته وقدرته:
أقلها: ركعتان.
أكثرها: ثماني ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة.
وقد كان النبي ﷺ يصلي أحيانًا ركعتين، وأحيانًا أربعًا، وأحيانًا أكثر، ليبين للأمة التوسعة والرحمة في أدائها.
فضل صلاة الضحى
غنى النفس والرزق: في الحديث القدسي: “يا ابن آدم، اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره”، أي أن من حافظ على صلاة الضحى كفاه الله هموم يومه وفتح له أبواب الرزق.
صدقة عن الجسد: كل مفصل من مفاصل الإنسان عليه صدقة يومية، وصلاة الضحى تكفي عن ذلك كله.
محبة الله: قال ﷺ: “لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب”، أي أن المحافظة عليها دليل على رجوع القلب إلى الله وحب الطاعة.
دوام الصلة بالله: فهي تجعل المسلم متذكرًا لخالقه في وسط النهار، فلا ينشغل بالدنيا عن الآخرة.
بركة في العمر والوقت: من جربها شعر بأن يومه يصبح أكثر سكينة، وأن أعماله تتيسر وتبارك.
كيف تجعل صلاة الضحى عادة يومية؟
اجعل لنفسك منبهًا بعد الشروق لتذكيرك بها.
ابدأ بركعتين خفيفتين يوميًا، ثم زد تدريجيًا.
اربطها بعادة أخرى، مثل قراءة أذكار الصباح أو ورد من القرآن.
تذكر أن لها ثوابًا يعادل صدقات عظيمة.
شارك عائلتك أو صديقك في المواظبة عليها لتشجيع بعضكم البعض.
صلاة الضحى في حياة السلف
كان الصحابة والتابعون شديدي الحرص عليها، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام”.
وهذا دليل على أن هذه الصلاة ليست نافلة عابرة، بل وصية نبوية عظيمة يجب ألا نغفل عنها.
الجانب الروحي والنفسي لصلاة الضحى
علماء النفس يؤكدون أن بداية اليوم بالسكينة والهدوء الروحي تجعل الإنسان أكثر إيجابية وإنتاجًا. وصلاة الضحى بالذات تمنح طاقة إيمانية عجيبة، حيث يبدأ المسلم يومه وهو في معية الله، بعيدًا عن القلق والضغط النفسي.
الخاتمة
صلاة الضحى ليست مجرد ركعات قليلة، بل هي مفتاح عظيم للبركة والرزق، ووسيلة لشكر الله على نعمة الجسد والعافية، وسر من أسرار السعادة اليومية. اجعلها في جدولك اليومي كما تجعل طعامك وشرابك، وستجد أثرها في قلبك ورزقك وعلاقاتك وحياتك كلها.
🌿 على موقعك tslia.com ستجد المزيد من المقالات التي تلهمك وتعينك على التقرب من الله بخطوات عملية. اجعل البداية من صلاة الضحى، وسترى كيف يفتح الله لك أبواب الخير.