حين تذكر الأديان قصص الثبات أمام الطغيان، يبرز اسم موسى عليه السلام بوصفه رمزًا للقيادة الشجاعة والإصلاح العميق. لم يكن موسى مجرّد رجل حمل عصًا وشقّ بها البحر؛ بل كان صاحب رسالة ربّت في النفوس معنى التحرّر من العبودية بكل أشكالها: عبودية البشر، وعبودية الشهوات، وعبودية الوهم بأن المستحيل لا يُكسر. هذه قصة نبيّ بدأ وحيدًا خائفًا في مدائن الغربة، وانتهى قائدًا يزرع في أتباعه الثقة بأن من سار مع الحق لا يتيه.

وُلد موسى عليه السلام في زمنٍ غليظ، زمنٍ تُحسب فيه الأنفاس ويُعدّ فيه الطغاة حتى الأطفال. ومع ذلك، كانت يد العناية الإلهية تحيطه من لحظته الأولى: رضيعًا في تابوت صغير ينساب على ماء النيل، ثم طفلًا يتربّى في قصر فرعون، يتعلّم لغة القوم، ويعرف دهاليز السلطة، ويشهد كيف يصنع الظلمُ الخوفَ في العيون. تلك التربية المزدوجة كانت إعدادًا لرسالة لاحقة: نبي يعرف ضمير المستضعفين ويقرأ في الوقت نفسه عقل المتجبّرين.

وحين خرج موسى إلى مدين، ذاق طعم الكدّ والعرق، وسقى للغنم، وتعلّم الصبر على لقمة الكفاف. هناك نضجت شخصيته بعيدًا عن الأبهة، وتعرّف معنى أن تكون قريبًا من الناس، تسمع شكواهم وتشعر بحاجتهم، قبل أن تكلّفك السماء بحمل خطابٍ إلى قلب طاغية. ومن شعلةٍ في طورٍ مبارك، بدأ النداء: “اذهب إلى فرعون إنّه طغى”. كانت الرسالة ثقيلة، لكن موسى لم يطلب سلطانًا ولا منصبًا؛ طلب فقط عونًا، وطمأنينةً في الصدر، ولسانًا مبينًا. هكذا تُدار الدعوات الكبيرة: تواضعٌ في الطلب، وعزمٌ في التنفيذ.

دخل موسى على فرعون بلا حرس، مسلّحًا بالحجّة والمعجزة: عصا تتحوّل حيّة، ويدٌ تلمع بياضًا بلا سوء. لم يكن هدف المعجزة إبهار الأعين فقط، بل تحويل اليقين إلى واقع يمكن لمسه. حين رأى السحرةُ الحق، سقطوا ساجدين؛ لأن أهل الصنعة يعرفون حدّ صناعتهم، فإذا ظهر لهم ما يتجاوزها علموا أن الأمر ليس من جنس ما يعرفون. هنا درسٌ بليغ: عالم الحقيقة هو أوّل من يعترف بالحقيقة حين يراها.

لكن الطريق إلى التحرير نادرًا ما يكون مستقيمًا. بنو إسرائيل الذين خرجوا مع موسى حملوا في قلوبهم ترسُباتٍ من خوف طويل. يسألون عن الطعام، ويتعلّقون بالمألوف ولو كان مرًّا، ويعجزون أحيانًا عن الإقدام. لم يغضب موسى لأنهم يشتكون، بل علّمهم كيف يبدّلون شكواهم دعاءً، وتردّدهم عملًا، وتعثّرهم عودةً إلى الطريق. يحدّثهم عن غاية الرحلة: ليس الخبز وحده، بل الكرامة، ولا المكان وحده، بل العهد.

ذروة القصة تتجلّى عند البحر: جيشٌ خلفهم وماءٌ أمامهم. هناك تُختبَر القيادة: هل ينهار القائد أمام ضغوط الناس وصوت الخوف؟ أم يربط قلوبهم بالوعد؟ قال موسى لقومه كلمةً تصلح لكل زمان: “كلا، إن معي ربي سيهدين”. ليست إنكارًا للخطر، بل رفعًا للبصر فوق الخطر. بضربة عصا انشقّ البحر طريقًا يابسًا، وتحوّل الماء جدارين، ومضى الركب. في تلك اللحظة تحوّلت العصا—أداة الراعي البسيطة—إلى جسرٍ بين العجز والنجاة. الدرس اليوم واضح: ما في يدك—مهارتك، قلمك، علمك—قد يبدو هيّنًا، لكنه يصبح مع الإخلاص سببًا لفتحٍ عظيم.

بعد النجاة، تبدأ معركة أصعب من هزيمة الطاغية: صناعة الإنسان. يعلّم موسى قومه الشكر، ويصحّح مفاهيم العبادة، ويضبط علاقة الجماعة بالناموس والميثاق. فإذا تعثّروا عاد يصبر، يذكّرهم بالوعد، ويعيدهم إلى خطّ الاستقامة. لقد كان موسى معلّمًا بإتقان: لغته قريبة، وقلبه واسع، وموقفه حازم حين يلزم الحزم. جمع بين الرحمة والعدل، وبين الرفق والقوة، وبين صوت الضمير وحكمة التدبير.

ما الذي يتركه لنا موسى اليوم؟ يترك لنا شجاعة قول “كلا” حين يتضخّم الخوف في الوعي العام. يعلّمنا أن القيادة ليست في الصوت المرتفع بل في البصيرة التي ترى الطريق حين يعمّي الغبار العيون. يعلّمنا أن الحرية لا تُعطى جاهزة؛ تُنتزع بالثبات، وتُصان بالمسؤولية. وقبل كل شيء، يعلّمنا أن الطريق إلى الله لا يُختصر بمعجزةٍ خارقة، بل يُبنى على خطواتٍ يومية: صدق في القول، أمانة في الفعل، وصبر على البلاء.

إن سيرة موسى عليه السلام ليست قصة من الماضي؛ إنها خارطة عمل للحاضر: أن تقف مع الحق ولو كنت وحدك، أن تبني مجتمعًا يقدّس الكرامة، وأن تجعل من أبسط ما في يدك “عصًا” تصنع بها فرقًا. فلتسأل نفسك: ما البحر الذي يقف أمامك اليوم؟ وما العصا التي بين يديك؟ امضِ… فالهداية لا تُمنح للقاعد.

في ختام هذه الرحلة، إن أردت مقالاتٍ روحية عميقة وسيرًا نبوية مكتوبة بأسلوبٍ قريب من القلب وتحريرٍ يليق بوعي القارئ العربي، فموعدك مع tslia.com — ادخل الآن، ستجد ما يوقظ فكرك ويغذّي روحك، وربما تكتشف “عصاك” التي تغيّر بها واقعك!

سيرالأنبياء #نبياللهموسى #قصصالأنبياء #إلهامروحي #تحريرالنفوس #الثباتعلىالحق #العبرةوالموعظة #tslia #محتوىإسلامي #تعلممنالأنبياء #الهداية #إيمان #قيادة #حكمة #قصة_ملهمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *