عبدالرحمن بن عوف يصف نفسه قائلا “لقد رأيتني لو رفعتُ حجرا لوجدتُ تحته ذهبا” مخبرا بذلك عن فضل الله عليه وكان من أكثر الصحابة كرما وثراء

“عبدالرحمن” الاسم الذي اختاره النبي محمد للصحابي المبشر بدخول الجنة عبد عمرو، وهو أحد الـ8 الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الـ6 أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده.

ولد عبدالرّحمن بن عوف القرشيّ الزهريّ في مكَّة بعد عام الفيل بـ10 سنوات، أي أنه أصغر سِنًّا من النَّبي محمد بـ10 سنوات، وهو من بني زهرة، أخوال النَّبي محمد.

كان يقول عن نفسه: “لقد رأيتُني لو رفعتُ حجرًا لوجدتُ تحته فضة وذهبا”، مخبرًا بذلك عن فضل الله عليه، وكان ابن عوف من أكثر الصحابة الكرام ثراءً وبذلًا واجتهادًا، عاش مناصرًا للنبي والإسلام، لم تمنعه أمواله الكثيرة من أن يكون واحدًا من العشرة الذين بشَّرهم رسول الإسلام بأنهم من أهل الجنَّة.

لإسلام ابن عوف قصة يرويها بنفسه وفقا للمصادر التاريخية، فيقول: “سافرت إلى اليمن قبل المبعث بسنة، فنزلت على شيخ كبير مُدَّ له في العمر، وكنت إذا قدمت نزلت عليه، فلا يزال يسألني عن مكة وأحوالها، وهل ظهر فيها من خالف دينهم، أم لا؟ حتى قدمت المرَّة التي بُعث النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلَّم وأنا غائب فيها”.

ويضيف: “نزلت عليه فقال لي: اذكر نسبَك في قريش، فقلت: أنا ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة. قال: حسبُك، ألا أبشِّرك ببشارة، وهي خير لك من التجارة؟ قلت: بلى، قال: إن الله قد بعث من قومك نبيّا ارتضاه صفيًا، وأنزل عليه كتابا وفيًا، ينهى عن الأصنام، ويدعو إلى الإسلام، يأمر بالحقِّ ويفعله، وينهى عن الباطل ويبطله، وهو من بني هاشم، وإنَّ قومَك لأَخْوَاله، يا عبدالرحمن، وازِرْهُ وصَدِّقه. قال عبدالرّحمن: فقدمت، فلقيت أبا بكر رضي الله عنه، وكان لي خليطا، فأخبرته الخبر، فقال: هذا محمد بن عبدالله، قد بعثه الله إلى خلقه رسولا”، فذهب إلى النبي وأعلن إسلامه.

نال ابن عوف ما نال الصحابة من إيذاء المشركين، فاضطُرَّ إلى الهجرة خارج وطنه مكةَ مرتين، الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة، حيث استقرَّ النبي محمد، وحدَث أن آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، تأسيسا للمجتمع المسلم على التكافل والتناصر والمحبة والإيثار، فآخى الرسول بين عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع، وخرج بعد ذلك إلى السوق، فاشترى، وباع، وربح، حتى صار من أكثر المسلمين مالا.

شهد ابن عوف معركة بدر والمشاهد كلها، وثبت مع النبي يوم أحد، حتى أصيب بإصابات بالغة تركت عرجا دائما في إحدى ساقيه وسقطت بعض أسنانه، فتركت خللا واضحا في نطقه وحديثه.

مضت الحياة بعبدالرحمن بن عوف بعد النبي محمد مشاركا في أحداث المسلمين الكبرى، كما كان في حياة الرسول، وظل حريصا على أن يكون بعيدا عن التَّكالب على الدنيا، وأنَّه يبذلها ولا يطلبها طمعًا فيما عند الله، ورغم أنَّ قيادَةَ الأمَّة الإسلاميَّة مهمةٌ جليلةٌ خاصة أن من تولاها في صدر الإسلام كانوا أكابر الصحابة، الذين سطَّروا أروع سطور التاريخ الإسلامي وكتبوا أنصع صفحاته، لكن ابن عوف آثر أن يكون ضمن المعاونين للخلفاء وليس هو واحدا منهم، رغم الفرصة التي أتته سانحة حينما اختاره الفاروق عمر بن الخطاب ليكون واحدا ضمن المرشحين السِّتة لتولي أمر الخلافة من بعده، لكنه بادر في خلع نفسه من الترشُّح، واختار أن يسهم في الاختيار دون أن يكون هو مرشَّحا.

وبذل ابن عوف جهدا في استطلاع رغبة المرشَّحين الآخرين وأهل المدينة بعدهم، فوجد كفَّة عثمان بن عفان رجحت، فبايعه على الخلافة، وكان سندا له، وفي آخر خلافته وجد عثمان نفسه متعبا فأرسل إلى ابن عوف ليعرض عليه أمر الخلافة من بعده، وذهب بالفعل له ليبشِّره بالأمر، لكن من ترك طلب الخلافة مرةً لم يكن ليطلبها مرةً أخرى، فوقف عبدالرحمن بن عوف في روضة النبي محمد ودعا ألَّا تأتيه الخلافة، فكانت وفاتُه بعد 6 أشهر في خلافة عثمان.

لا تنسى المشاركه