بعد أن فرض الله سبحانه وتعالى على المسلم خمس صلواتٍ يؤدّيها في اليوم والليلة، وجعله مُخيَّراً لأداء ما شاء من النوافل والسُّنن التي يتقرّب بها إلى الله عزّ وجل، فإنّ جميع وقت المسلم في يومه وليلته يكون عبادةً وطاعةً لله تعالى، إلّا تلك الأوقات المنهيّ عن الصلاة فيها، ومن أفضل الأوقات التي يتقرَّب بها العبد إلى خالقه وقت جوف الليل، ومن العبادات التي تُؤدّى فيه ما يُعرف بصلاة التهجُّد، فما هي صلاة التهجد، وما حُكمها، وما هي كيفيّتها، وما الفرق بينها وبين قيام الليل، وهل لها وقت مخصوص؟
معنى التهجُّد .. يُعرَّف التهجد بعدة تعريفات في اللغة والاصطلاح، وفيما يأتي بيان معنى التهجُّد لغةً واصطلاحاً: التهجُّد في اللغة: هو فعلٌ خماسيّ للمصدر هَجَدَ، فيُقال: فلان تهجَّدَ تهجُّداً، واسم الفاعل منه مُتهجِّد، وهو بمعنى السَّهر، فيقال: هَجَدَ السَّاِهُر؛ أي سهِر اللَّيل، ويصدق ذلك على صلاة الليل، فيُقال: تهجَّد في ليله، إذا صلّى بالليل، وفقا لموقع موضوع.
التهجُّد في الاصطلاح: هو الاستيقاظ في الليل لأداء الصلاة، قال تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ…).
أمّا صلاة التهجُّد فهي: صلاة التطوُّع نافلة أثناء الليل.
الفرق بين التهجُّد وقيام الليل: الفرق بينهما، هو أنّ التهجُّد يكون بعد النوم ليلاً ولو لفترة، ثمّ الاستيقاظ للصّلاة فقط دون غيرها من العبادات، أمّا قيام الليل فيكون بالصّلاة، والذِّكر، والدُّعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من العبادات في أيّ ساعة من ساعات الليل، وعليه فإنّ التهجُّد نوع من قيام الليل، يكون بالنّوم ثمّ الاستيقاظ لأداء الصّلاة، وقد ورد عن الصحابي الجليل الحجاج بن غزية رضي الله عنه ما يدل على هذا الفرق، حيث قال: (يحسَبُ أحَدُكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبِحَ أنَّه قد تهجَّدَ، إنَّما التهجُّدُ المرءُ يصلِّي الصلاةَ بعد رقدةٍ، ثمّ الصّلاة بعد رقدةٍ، وتلك كانت صلاةَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له).وقت صلاة التهجّد وحُكمها من المسائل المهمّة التي تتعلق بصلاة التَّهجد وقتها، وحكمها، وفيما يأتي بيان ذلك:
وقت صلاة التهجُّد: يبدأ وقت صلاة التهجُّد بعد الانتهاء من صلاة العشاء، ويستمرّ وقتها إلى آخر الليل، فيكون الليل كلّه من بعد العشاء إلى الفجر وقتاً للتهجُّد، إلا إنَّ أفضل وقت لصلاة التهجُّد هو آخر الليل أو ما قارب الفجر ودخل في الثلث الأخير من الليل؛ حيث ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: (من خاف أن لا يقومَ من آخرِ اللَّيلِ فلْيوتِرْ أوّلَه، ومن طمِع أن يقومَ آخرَه فلْيوتِرْ آخرَ الليلِ، فإنَّ صلاةَ آخرِ الليلِ مَشهودةٌ، وذلك أفضلُ)، فيدلُّ هذا الحديث على أنَّ أفضل صلاة الليل هي ما كانت في آخر الليل، مع جواز التهجُّد أوّلَ الليل لمن خشِي أن ينام فيفوته فضلها، وعنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ، حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخِرُ إلى السَّماءِ الدنيا، فيقولُ: من يدعُوني فأستجيبَ لهُ؟ من يَسْتَغْفِرُنِي فأغفر لهُ؟ مَنْ يسألُني فأُعطيَهُ؟).
حُكم صلاة التهجُّد ودليل مشروعيّتها: صلاة التهجد سُنّة؛ حيث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (أَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، كان يصومُ يوماً ويُفْطِرُ يومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، كان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ).
طريقة صلاة التهجُّد .. بما أنّ صلاة التهجُّد هي ذاتها صلاة قيام الليل باختلاف كون مُصلّي التهجد يقوم إلى الصلاة بعد أن ينام نومةً يسيرةً كما مرَّ آنفاً، فإنّ طريقة صلاة التهجّد هي ذاتها طريقة أداء صلاة قيام الليل، أمّا طريقة أداء صلاة التهجُّد فلها العديد من الطرق والحالات التي يجوز أداؤها بها، ومن تلك الطرق أن ينام من أراد أداء صلاة التهجُّد ولو نومةً يسيرةً، ثمّ يقوم في منتصف الليل فيصلّي ركعتين خفيفتين، ثمّ يصلي بعد ذلك ما شاء من ركعات، ويجب أن تكون صلاته ركعتين ركعتين؛ فيسلّم بعد كلّ ركعتين، وبعد أن يُتمّ ما أراد من صلاة التهجُّد يوتِر بركعة واحدة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلَّم، ويجوز له كذلك أن يوتر بثلاث ركعات، أو بخمس.
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يصلِّي من اللَّيلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً؛ يوتِرُ من ذلكَ بخمسٍ لا يجلسُ إلَّا في آخرِهنَّ، وكحديثِ عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها أنَّهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يصلِّي من اللَّيلِ تسعَ ركَعاتٍ لا يجلسُ فيها إلَّا في الثَّامنةِ، فيذكرُ اللَّهَ ويحمَدُهُ ويدعوهُ، ثمَّ ينهضُ ولا يسلِّمُ، ثمَّ يقومُ فيصلِّي التَّاسعةَ، ثمَّ يقعدُ فيذكرُ اللَّهَ ويحمدُهُ ويدعوهُ، ثمَّ يسلِّمُ تسليماً يسمِعُناهُ، ثمَّ يصلِّي ركعتينِ بعدما يسلِّمُ وهوَ قاعدٌ، فتلكَ إحدى عشرةَ ركعةً، فلمَّا أسنَّ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وأخذهُ اللَّحمُ، أوترَ بسبعٍ وصنعَ في الرَّكعتينِ مثلَ صُنعِهِ في الأولى، وفي لفظٍ عنها: فلمَّا أسنَّ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وأخذهُ اللَّحمُ أوترَ بسبعِ ركعاتٍ لم يجلس إلَّا في السَّادسةِ والسَّابعةِ، ولم يُسلِّمْ إلَّا في السَّابعةِ، وفي لفظٍ: صلَّى سبعَ ركعاتٍ، لا يقعدُ إلَّا في آخرِهنَّ).
هذه كلُّها طُرق لأداء صلاة التهجُّد، والأفضل على الإطلاق والأكمل أن يصلّي العبد كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي، أمّا إذا صلّى بطريقة أخرى فلا حرج عليه؛ كأن يوتِر بواحدة فقط بعد الانتهاء من صلاة التهجّد، أو صلّى الوتر خمس ركعات سردها كاملةً ولم يجلس إلا في الركعة الأخيرة، وينبغي عليه أن يخشع في صلاته ويؤدّيها بحقّها فلا ينقرها نقراً، أمّا من حيث الجَهر والإَسرار بصلاة التهجُّد فذلك متروك لتقدير المصلّي، فإن رأى الأفضل في رفع صوته والجهر بالصلاة جهر بها، وإن رأى الإسرار بها وخفض صوته في القراءة أفضل له، أسرَّ بها شرط ألّا يؤدّي رفع صوته إلى إلحاق الأذى بغيره من الناس، فلا يجوز له أن يشوّش على النائمين، أو يؤذي من يصلّي حوله من المصلين، أمّا إذا كان يصلي في المسجد فيرفع صوته إن شاء، وإن كان إماماً رفع صوته حتى ينتفع الناس بقراءته.