المفتي عطية صقر .. مايو 1997
الجواب
ستتناول الإجابة ثلاث نقط، مشروعية التعزية، أسلوبها، مدتها، وإليك موجزها.
ا -تعزية الإنسان لغيره فيما يصيبه مستحبة، لأنها تخفف عنه وقع الألم، وهو خير، وكل خير يقدَّم للغير له أجره إن خلصت النية، يقول النبى صلى الله عليه وسلم “ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة” رواه ابن ماجه وهى لا تستحب إلا مرة واحدة، ويستوى فى ذلك أن تكون قبل الدفن أم بعده.
2 – ليس هناك تحديد لأسلوبها وإن كان الأفضل أن تكون بالمأثور، فقد روى البخارى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال:
أرسلت ابنة النبى صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنا لها قبض وطلبت أن يأتى إليها، فأرسل يقرئ السلام ويقول “إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب ” وقد يكون فى هذا الكلام عزاء من الرسول لنفسه، وأمرها أن تصبر وتحتسب، وأفضل ما يعزى به الإنسان نفسه ما جاء فى قوله تعالى {وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة:155، 156 وجاء فى صحيح مسلم أن من قالها وقال: اللهم آجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها استجاب الله له. وكما كان يفعل السلف الصالح لا حاجة إلى الجلوس والإعداد لتقبل العزاء.
يقول النووى: قال الشافعى وأصحابه رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية، قالوا: ويعنى بالجلوس أن يجتمع أهل الميت فى بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغى أن ينصرفوا فى حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء فى كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملى ونقله عن نص الشافعى رضى الله عنه، وهى كراهة تنزيه – لا تحريم -إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها فى العادة كان ذلك حراما من قبائح المحرمات، فإنه محدث، وثبت فى الحديث الصحيح أن كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة [الأذكار للنووى ص ا15] .
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأى، وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس فى غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية من غير ارتكاب محظور.
هذا، وجاء فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، نشر وزارة الأوقاف المصرية ما نصه: ويباح لأهل المصيبة أن يجلسوا فى المنزل لقبول العزاء ثلاثة أيام. أما الجلوس على قارعة الطريق وفرش البسط نحوها – السرادقات – مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهى عنها، أما الحنابلة فقالوا: الجلوس للعزاء مكروه، سواء كان فى المنزل أو غيره، والحنفية قالوا: الجلوس للتعزية خلاف الأولى، والأولى أن يتفرق الناس بعد الدفن ويكره الجلوس فى المسجد، انتهى.
فهناك اتفاق بين الأئمة على أن إقامة السرادقات – ومثلها دور المناسبات – لتقبل العزاء غير محمودة، وأقل درجاتها الكراهة أو خلاف الأولى، مع العلم بأنها إذا كانت للمباهاة كانت حرامًا، وإذا أنفق عليها من أموال القصَّر كانت حراما أيضا.
أما القرآن الذى يتلى فى السرادقات فإن كان بأجر، فلا ينتفع به الميت، وإن كان بغير أجر ووهب الثواب إلى الميت يرجى انتفاعه، وما يأخذه القارئ إن كان مشروطا فهو أجر حرمه أكثر العلماء، وإن لم يكن مشروطا فإن كان القارئ ممن يستحق الصدقة فهو صدقة ينتفع بها الميت إن وهب المعطى ثوابها إليه، وإن لم يكن ممن يستحق الصدقة فهى هبة أو هدية لا حرمة فى أخذها ولا منفعة للميت بها.
3-والعزاء إن كان مع جلوس أو بدونه مدته ثلاثة أيام، ويكره بعدها لما فيه من تجديد الحزن، اللهم إلا لمن لم يعلم بالوفاة إلا بعد مدة فلا كراهة فى التعزية، والتحديد بثلاثة أيام أخذه الشافعية من حديث الإحداد على الميت يقول صاحب “كفاية الأخيار ” فى فقه الشافعية “ج اص 153 ” وتكون فى ثلاثة أيام لأن قوة الحزن لا تزيد عليها فى الغالب، وبعد الثلاثة مكروه، لأنها تجدد الحزن، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاية الحزن ثلاثا ففى الصحيحين “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا” ثم يقول المؤلف أبو بكر بن محمد الحصنى الحسينى الدمشقى المتوفى سنة 829 هـ:
وابتداء الثلاثة من الدفن جزم به النووى فى شرح المهذب ونقله عن الأصحاب، نعم جزم الماوردى أنها من الموت وبه جزم ابن الرفعة وصححه الخوارزمى. ويستثنى ما إذا كان المعزِّى أو المعزَّى غائبا، فإنها تمتد إلى قدوم الغائب، فإذا قدم فهل تمتد ثلاثة أيام أم يختص بحالة الحضور؟ قال: كلام الرافعى والنووى يوهم مشروعية الثلاث عند قدوم الغائب وهو كذلك، أم تختص بحالة الحضور قال المحب الطبرى شيخ مكة: لم أر فيه نقلا، والظاهر مشروعية الثلاثة بعد الحضور انتهى.
أما ما يعمل للميت من تجديد الحزن وتقبل العزاء فى يوم الخميس أو الخامس عشر أو الأربعين، أو الموعد السنوى فأمر لا يتفق مع الدين، ويمكن الرجوع إلى ص 434 من الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام لمعرفة أصل هذه العادات وما فيها من طقوس أوصت بها فِكَر دينية وضعية