عناية النبيّ بالشباب

كان رسول الله صلّ الله عليه وسلّم أحسن النّاس خُلُقًا وأكثرهم أدبًا وورعًا ، فقد زكّى الله خلُقُهُ في قوله ” وإنّك لعلى

خُلُقٍ عظيمٍ”

فقد كان يُعامل النّاس معاملة لطيفة رقيقة كيف لا وهو المبعوثُ رحمة للعالمين يهدي إلى الحقّ وإلى الطريق المستقيم

ومن هنا ندرك عناية الرّسول صلّ الله عليه وسلّم بالكبار والصغار ، وقد اعتنى بمرحلة الشباب أشدّ العناية فهو يُدرك

أهميّة هذه المرحلة على الشخص خاصة وعلى الأمّة عامّة . فقد كان عليه الصلاة والسّلام يُوجّههم ويُرشدهم بما

يتناسبُ مع قُدراتهم ويُسندُ إليهم المهام ليرفع همهم يسمو بأنفُسهم.

والمتأملُّ في سيرته العطرة والمُطلّع عليها تظهرُ إليه بوضوح مشاهد جميلة من حسن تعامله مع الشباب ،فقد كان

يرفق بهم ويُدرك طبيعة تفكيرهم بل ويُوجههم ويرشدهم ويصقل مواهبهم ويعتني بها أشدّ العناية .

ولم يكتفي الرّسول صلّ الله عليه وسلّم بالتوجيه عن بُعد بل اقترب منهم وفي ذلك فائدة نفسيّة في توصيل المعاني

العظيمة المباشرة للشاب ولعلّ هذا سبب من أسباب كثرة الرّواية عند البعض من الصحابة .

تعليمه لإبن عبّاس

فهاهو صلّ الله عليه وسلّم يُوجّهُ عبد الله بن عبّاس بشكل مباشر ويلفت نظره لما سيقوله ثم يشرع في نصحه بكلّ حب

عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس أنه حدثه أنه ركب خلف رسول الله يومًا، فقال له رسول الله: “يَا غُلاَمُ، إِنِّي

أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ, إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ

الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ, وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ

يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُف”

أي يا غلام إنّي أُعلّمك كلمات يحفظك الله بهنّ إن أنت إلتزمت بهنّ ، ثم شرع في سرد الوصيّة و بن عبّاس منتبه لكل

كلمة نظق بها نبيّهُ ومُعلّمهُ .

ولعلّ القارئ للحديث يعجب من الوصايا العظيمة -التي تحتاج إلى شروح كثيرة-لغلام صغير ، لكنّ النبيّ صلّ الله

عليه وسلّم أراد أن يرسم لبن عبّاس منهاج حياة ، كلمات قليلة عظيمة المعنى ، مسائل عظيمة في دين الله ( القضاء

والقدر ) ، يا غلام “احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ” اي إن أنت حفظت حدود الله تعالى فإنّه يحفظك ويرعاك في كُلّ حالاتك .

يا غلام “إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ” وفي هذا سُمُوٌُ بالنفس عن حاجة الناس وتعلّق بربّ الناس سبحانه وتعالى ، فيحسّ

الشابّ بعزّة النفس فينشأ عزيز النفس كريم الرّوح.

يا غلام “وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّه ” اي لا تتوكّل إلّا على الله فهو الوحيد القادر على جلب الخير لك ودفع الشرّ عنك

عناية النبيّ بالشباب

حُبُّهُ لمعاذ بن جبل

وقد كان عليه الصلاة والسلام ودودا رحيما ، ليّن القلب مع الشباب والدليل على ذلك موقفه مع معاذ بن جبل، فعنه أنّ

النبيّ صلّ الله عليه وسلّم قال له : يا مُعاذ والله إنّي لأحبّك ، والله إنّي لأحبّك ، فقال : أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دُبُر

كلّ صلاة تقول ” اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ”

فتخيّل معي فرحة معاذ رضي الله عنه وهو شاب يانع وقد أقسم الرّسول صلّ الله عليه وسلّم له أنّه يُحبّهُ وحفّز عاطفته.

توليتُهُ لأسامة بن زيد على جيش المسلمين

ولم تكتفي عناية الرّسول صلّ الله عليه وسلّم بالشباب في الجانب الأخلاقي و العلمي فقط ، بل ولم تمض 3 سنوات

حتى كان الرسول يجهز لغزو الروم بجيش كبير يشارك فيه كبار الصحابة مثل أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب؛

وكان أسامة بن زيد قائدا للجيش بأكمله.

عناية النبيّ بالشباب

شاب يقود جيشا فيه كبار الصحابة


كان الأمر أشبه بالصدمة للمسلمين، فقد استنكر البعض منهم أن يكون هذا الشاب الصغير قائدا على كبار الصحابة

والمهاجرين الأوائل في الإسلام، وقد وصلت هذه الشكوى إلى الرسول، وكان قد اشتد عليه المرض الذي سيؤدي إلى

وفاته في النهاية .


خرج الرسول في مرضه الشديد إلى المنبر لتهدئة هذه الجموع الغاضبة ويذكرهم بأنهم اعترضوا على والده القائد

الشاب من قبل، فيقول: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة،

وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لأحب الناس إلي بعده»

عناية النبيّ بالشباب

رفقه ورحمته بالشاب الذي استأذنه في الزنا

ولقد كان رسول الله شفوقًا كريمًا يسمع للشباب ويشعر بمشاكلهم, حتى إن أحد الشباب غلبته شهوته, وتنازع في نفسه

الطهارة والإيمان مع رجز الشهوة المحرمة والشيطان؛ فلم يجد له من مهرب إلا أن يأتي رسول الله يستأذنه فيما ظنه

مخرجًا شرعيًّا له, فإن أذن له رسول الله في الزنا فقد أزاح عن نفسه همّ المخالفة, وانتفى عنه الشعور بالإثم. فانظر

كيف عالجه النبي بالحوار العقلي العاطفي, وبالدعاء له أيضًا من غير زجر, ولا قهر, ولا سخرية منه.

وممّا تبيّن ندرك أهميّة اتّباع المنهج النبويّ في توجيه الشباب وإرشادهم مع مايتناسب مع قدراتهم للرقي بالمجتمع

الإسلامي.

عناية النبيّ بالشباب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *