لقد كان فتح مدينة القسطنطينية (أو بيزنطة) حلمًا يراود كل المسلمين، وأملًا يسعى لتحقيقه الخلفاء والملوك، ولما ظهرت الدولة
العثمانية جعلت لنفسها هدفًا عظيمًا، هو فتح القسطنطينية.
ولما تولى السلطان محمد الثاني عرش الدولة العثمانية سنة (855هـ)، وهو شاب في الثانية والعشرين، أخذ في الإعداد مباشرة للفتح
العظيم، ودعا المسلمين للتطوع، فوصل تَعداد الجيش إلى ربع مليون مقاتل، وصنع المدفع السلطاني، وهو أكبر مدفع في التاريخ،
واهتم بتقوية الأساطيل العثمانية حتى بلغ عدد سفنه (400) سفينة، وانطلق بجيوشه من مدينة أَدرْنَه الملقبة بعاصمة الغزاة في
محرم سنة (857هـ)، فوصل بعد شهرين إلى أسوار القسطنطينية، وكانت أحصنَ مدن العالم، فخطب في جنوده، واستثارهم.
وقد حاول قسطنطين ـ إمبراطور بيزنطة ـ وجنوده منع هجوم العثمانيين، واستماتوا في الدفاع عنها، وأراد قسطنطين التفاوض م
ع محمد الثاني، وعرَض عليه الخضوع والدخول في طاعته، ودفْعَ أموالٍ، ولكنه رفض ذلك كله، وأصرَّ على فتح المدينة.
في المقابل شنّ العثمانيون الهجوم الكاسح على عدة محاور، برًا وبحرًا، وقام محمد الفاتح بفكرة عبقرية، حيث نقل الأسطول البحري
إلى البر مسافة (3كم)، ثم أنزله عند القرن الذهبي؛ حتى أصبح داخل القسطنطينية، وقام بحفر أنفاق تحت الأرض؛ لاختراق تحصينات
المدينة.
معارك فاصلة في تاريخ الأمة: فتح القسطنطينية
وبالجملة؛ فقد استخدم العثمانيون أساليب حربية جديدة ومتنوعة في فتح القسطنطينية؛ حتى جاءت لحظة الفتح التاريخية.
وفي ليلة الفتح أمر السلطان محمد الثاني جنوده بالتوبة، والخشوع، والتقرب إلى الله، والتهجد، والدعاء؛ استعدادًا للفتح الكبير، وبات
المسلمون المجاهدون بخير ليلة، أما النصارى فقد باتوا بشر ليلة، بعد أن نزلت صاعقة من السماء أحرقت أبراج كنيسة « أيا صوفيا »،
وجمع قسطنطين سكان المدينة، ودعاهم للدفاع عن المدينة إلى آخر قطرة دم.
وفي يوم الثلاثاء الموافق (20 جمادى الأولى 857هـ) بدأ الهجوم العام الشامل على المدينة من كل اتجاه، وبعد أربع موجات هجومية
قام بها العثمانيون، اقتحمت فرقة فدائية من خلاصة أبطال الجهاد أسوار المدينة، ورفعت الأعلام العثمانية عليها، وأصيب قائد الجند
البيزنطيين جوستنيان إصابة خطيرة، فنزل قسطنطين إلى أرض القتال؛ ليقود المدافعين عن المدينة، وخلع ملابسه الملكية، وظل
يقاتل مترجلًا بسيفه؛ حتى قُتل في أرض المعركة، وعندما انتشر خبر مصرعه انهارت المعنويات، وسقطت المدينة.
ودخل محمد الفاتح المدينة، وخرّ لله ساجدًا شُكرًا وحمدًا وتواضعًا لله تعالى، وأمر بتحويل كنيسة « أيا صوفيا » إلى جامع، وسميت
المدينة: إسلام بول (أي: مدينة الإسلام).