الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا يجوز بيعُ المساحيق التي تدخل في تركيب موادِّها التجميلية ومكوِّناتها الصناعية الأجنَّةُ البشريةُ ولا مخلَّفاتُ عمليات الولادة والبقايا العضويةُ للجنين، كالحبل السُّرِّيِّ والمَشيمَة ونحو ذلك، لِما فيه من الاعتداء على العنصر البشريِّ المحرَّم بالنصوص الشرعية الثابتة.

كما لا يجوز بيعُ المساحيق التي يحتوي تركيبُها الصناعيُّ على أجِنَّةٍ حيوانيةٍ كالخنزير وأنواع الميتة، لعموم علَّة نجاستها، وكذا العطور المحتوية على كحولٍ مسكرةٍ، إذ المعلوم أنه لا يصحُّ بيعُ ما يَحرم الانتفاعُ به كالخمر والخنزير والميتة ونحو ذلك، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ»، ثمَّ قال عند ذلك: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ(١) ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»(٢)، وقد اتَّفق العلماء على تحريم الانتفاع بشحوم الميتة والخنزيرِ والأدهان المتنجِّسة في أكل الآدميِّ ودَهْنِ بدنه، فيحرمان كحرمة أكلِ الميتة والترطُّب بالنجاسة، لقوله تعالى: ﴿قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].

كما لا يجوز -أيضًا- بيعُ المساحيق التي تسبِّب أضرارًا بالوجه بالتشويه وحدوثِ بُقَعٍ سوداءَ أو تُحْدِث في عموم الجسم أمراضًا جِلديةً مختلفةً، لِما في عناصرها المركَّبة من موادَّ كيماويةٍ تضرُّ بالبشرة أو بالعين، والضررُ يزال على نفس المستعمِل لها وعلى غيره بالبيع والتجارة، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»(٣).

هذا، وإذا خَلَتِ الموادُّ التجميلية في تركيبها من المحرَّم والنجاسةِ والضرر فالأصلُ فيما عدا ذلك جوازُ استعمالها للمرأة ما دامت لا تُبديه إلاَّ لمن أَذِنَ اللهُ لها في إبدائه له، ويجوز لها للغرض نفسه أن تتطيَّب بما شاءت مِن الطِّيب ما لم يكن محتويًا على نسبةٍ من كحولٍ مسكرةٍ -كما تقدَّم-، غير أنه يُمنع عليها استعمالُ الطِّيب مطلقًا عندما تكون مُحْرِمَةً بحجٍّ أو عمرةٍ، لقوله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم في شأن المُحْرِم: «… وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الوَرْسُ»(٤)، وهو عامٌّ للذكور والإناث، وعند الإحداد على الميِّت لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»(٥)، وعند خروجها من بيتها ولو إلى المسجد لا بدَّ عليها مِن إزالةِ رائحة العطر العالقة بها إن أرادت الخروجَ، ويُعَدُّ خروجُها من بيتها متعطِّرةً ومتزيِّنةً من الكبائر ولو مع إذن زوجها، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ»(٦)، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا»(٧)؛ لأنَّ الزينة والعطر مطلوبان للمرأة في بيتها عند زوجها لا عند الخروج عنه أيًّا كان مقصدُها.

ولا يخفى أنَّ بيع أدوات الزينة والتجميلِ لمن يَعْلَم استعمالَها في التبرُّج أو في نوع الخروج المنهيِّ عنه لا يجوز لِما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»(٨)، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»(٩).

أمَّا بيع المساحيق لمن يعلم استعمالَها في الزينة والتجميل المباح فلا حرج في بيعه، وأمَّا إذا خَفِي عليه حالُ المشتري فحكمُ الجواز متوقِّفٌ على المظاهر الشائعة في استعمال المساحيق في عُرف بلده، فإن كانت أكثرية أهلِ بلده تستعملها في الزينة المباحة فلا مانع في بيعها، وإن كانت غالبيَّتُهم تستعملها في الرذيلة والفتنة فلا يجوز بيعُها؛ لأنَّ «الحُكْمَ لِلْغاَلبِ،ِ وَالنَّادِرُ لاَ حُكْمَ لَهُ»، و«مُعْظَمُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ»، قال القرافيُّ -رحمه الله-: «الأصل اعتبار الغالب وتقديمُه على النادر، وهو شأن الشريعة، كما يُقَدَّم الغالب في طهارة المياه وعقودِ المسلمين، .. ويُمنع شهادةُ الأعداء والخصوم لأنَّ الغالب منهم الحيفُ وهو كثيرٌ في الشريعة لا يُحصى كثرةً»(١٠)، والأَوْلى بالبائع -والحالُ هذه- أن يغيِّر نشاطَه التجاريَّ إلى نشاطٍ آخر أسلمَ لدينهِ وعِرضه.

أمَّا إن كانت مظاهر التبرُّج قليلةً غير متفشِّيةٍ، وخَفِيَ عليه الأمر؛ فله أن يبيع هذه الأدواتِ التزيينيةَ حملاً لحال الناس على الصلاح، فإن شكَّ في ظاهر حال المشتري فيمتنِع عن البيع عملاً بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ»(١١)، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ»(١٢).

هذا، ولا يصحُّ بيعُ هذه المساحيق والعطور المباحة لمن يستعينُ بها على معصية الله تعالى، أو يستخدمها فيما حرَّم اللهُ تعالى ولو مع تقديم النصح له بعدم استعمالها في الرذيلة والهتيكة؛ لأنَّ الأصلَ استصحابُ الحال حتى يُثْبَتَ العكسُ، ولا يخفى أنَّ النصيحة متردِّدةٌ بين القَبول والردِّ، ولا يمكنُ إجراءُ التعامل التجاريِّ الصحيح إلاَّ بعد أن يُثبِت عَكْسَ حاله بقَبول النصيحة والعملِ بمقتضاها.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.