الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد

:

فاعلم -وفَّقك الله- أنه يوجد فرقٌ بين العامد والساهي والعاجز والألثغ، أمَّا إمامة من يتعمَّد اللَّحن فحرام، فلا تصحُّ صلاته، وصلاة من خلفه باتفاق المذهب المالكي(٢)، كما اتفق أهل المذهب على صِحَّة صلاة الساهي والعاجز طبعًا الذي لا يقبل التعليم.

وأمَّا صلاة الألثغ وإمامته فصحيحة على الأظهر لعجزه عن النطق السليم، لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]،

ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٣)، وقيل: غير ذلك، ويختلفون في إمامة الجاهل وغيره

ممَّن يقبل التعليم، وكذا في اللحن الجَلِّي والخفي على أقوالٍ ستة في المذهب، ومن هذه الأقوال: عدمُ صحةِ إمامة اللحان سواء كان

لحنه في الفاتحة أو في غيرها، وقد نقل هذا القول ابن رشد في «البيان والتحصيل»(٤)، والصاوي في «بلغة السالك لأقرب

المسالك»(٥)، ومحمَّد عليش في «شرح منح الجليل»(٦)، ومحمَّدُ بنُ عَرَفَةَ الدُّسُوقِيُّ في «حاشية الشرح الكبير» للدردير ومعه تقريرات

محمَّد عليش(٧).

وحاصل المسألة يذكرها الدُّسوقي بقوله: «أنَّ اللاَّحن إن كان عامدًا بَطَلت صلاتُه وصلاةُ من خَلْفه باتفاق، وإن كان ساهيًا صَحَّت باتِّفاق،

وإن كان عاجزًا طبعًا لا يقبل التعليم فكذلك لأنَّه ألكنُ، وإن كان جاهلاً يقبل التعليم فهو محلُّ خلاف سواءٌ أمكنه التعلُّم أم لا، وسواء

أمكنه الاقتداء بمن لا يَلْحَنُ أم لا، وإنَّ أرجح الأقوال فيه صِحَّةُ صلاةِ مَن خلفه وأحرى صلاتَهُ هو لاتِّفاق اللخميِّ وابنِ رشدٍ عليها

.

وأمَّا حكم الاقتداء على الاقتداء باللاحن فبالعامد حرام، وبالألكن جائز، وبالجاهل مكروه إن لم يجد من يقتدي به، وإلاَّ فحرام كما يدلُّ عليه

النقل، ولا فَرْقَ بين اللحن الجليِّ والخفيِّ في جميع ما تقدم»(٨).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين،

وسَلَّم تسليمًا.