اختلف العلماءُ في «جلسة المغضوب عليهم» بين مَن كرهها مُطلقًا سواء داخل الصلاة أو خارجها، عملًا بحديث الشَّريد بن سُويد رضي

الله عنه، وبين مَنْ حَصَر الكراهةَ في الصَّلاة عملًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما كما جاء في السؤال، وإن كان ظاهرُ النَّهي ـ في

الحقيقة ـ محمولًا على التحريم على ما ذكرهُ الشَّوكاني(٣).

والنَّظرة الأصوليَّةُ تقتضي أن يكون الخلاف في هذه المسألة راجعًا إلى أصلين وهم

·

ل يُمكن حملُ المطلق على المقيَّد في هذه المسألة لاتحادِ الحكم والسبب فيهما أم يتعذَّر هذا الحملُ لانتفاءِ شرطهِ؟ وإذا انتفى شرطه

هل ينقلب إلى صورة تخصيص العموم بالذِّكر؟

·  هل العِلَّة الثابتة بالشَّرع تعمُّ معلولَهَا أم يُقتصَر فيها على موردِ النَّصِّ فلا تعمُّ؟

هذا، ولا يخفى أنَّ حُكم المطلق والمقيَّد واحدٌ، والسببَ واحدٌ ـ أيضًا ـ غير أنَّ المعلومَ ـ أصوليًّا ـ أنَّ مِنْ شَرْطِ حملِ المطلَق على المقيَّد

تواردَهما في باب الأوامر والإثبات(٤)، إذ لا يُتصوَّر تواردهما في جانب النفي والنهي ـ كما هو الحال في مسألتنا هذه ـ لأنَّه يلزم منه

الإخلال باللفظ المطلَق وهو غير سائغ(٥)، بل تنقلب صورتُه إلى صورة تخصيص العموم بذكر بعض أفراده الموافق له في الحكم(٦)، وهذا ـ بلا شكٍّ ـ لا يقتضي تخصيصَ النصِّ العامِّ لعدم وجودِ بعض الأفراد المخالف له في الحكم، وإنَّما خصَّ ذلك الفرد بالذِّكر مِن

العموم لأهمِّيَّته، أو لغِلَظ النهي فيه أو لشدَّته أو غيرها من الاعتبارات

.

لذلك كان تخصيص الرِّوايات في الجلسة المنهي عنها داخل الصلاة بالذِّكر بالنَّظر إلى أنَّ النهي فيها أشدُّ وأغلظُ، وتبقى الأفراد الأخرى

غير المذكورة مشمولةً بالنهي لعدم منافاة الفرد المنهي عنه للنصِّ العامِّ الموافق له، وإنَّما يخرج مِنَ النَّصِّ العامِّ ما كان مخالفًا

لحُكمه أو منافيًا لمقتضاه بدليلٍ أو قرينةٍ.

وأمَّا العِلَّة الثابتة بالشرع كما هو حال جلسة المغضوب عليهم، فإنَّها تعمُّ جميعَ معلولِهَا، أي: أنَّها تسري في جميع جزئياتها وفروعها

، سواء كانت داخل الصلاة أو خارجها، أو كان الاتِّكاء في حال الشُّرب أو الأكل، أو لغيره مِنْ وجوه الاتِّكاء، إذ تقرَّر عند أكثرِ الأصوليِّين أنَّه:

«إذا عَلَّقَ الشارع حُكْمًا على عِلَّة، عمَّ الحكم تلك العِلَّة حتى يوجد بوجودها في كلِّ صورة، وذلك العموم بالشرع لا بالعِلَّة»(٧).

وعليه يتبيَّن أنَّ النَّهي العامَّ عن جلسة المغضوب عليهم في جميع صُوَرها وفروعها أصحُّ القولين وأجدر بالعمل لِمَا تقدَّم بيانُه، ولكثرة

فائدة العِلَّة العامَّة، ولِمَا فيه مِنَ الجمع بين الدَّليلين، وهو أَولى مِنَ العمل بأحدهما وإهدار الآخر