قوله تعالى : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها .. لماذا خص بالأخذ ” الناصية ” دون سائر أماكن الجسد ؟

القول في تأويل قوله تعالى : إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
قال أبو جعفر: يقول: إني على الله الذي هو مالكي ومالككم ، والقيِّم على جميع خلقه ، توكلت من أن تصيبوني ، أنتم وغيركم من الخلق بسوء، (5) فإنه ليس من شيء يدب على الأرض ، (6) إلا والله مالكه، وهو في قبضته وسلطانه. ذليلٌ له خاضعٌ.
فإن قال قائل: وكيف قيل: (هو آخذ بناصيتها)، فخص بالأخذ ” الناصية ” دون سائر أماكن الجسد.
قيل: لأن العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذلة والخضوع، فتقول: ” ما ناصية فلان إلا بيد فلان “، أي : أنه له مطيع يصرفه كيف شاء . وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمنّ عليه ، جزُّوا ناصيته ، ليعتدّوا بذلك عليه فخرًا عند المفاخرة. فخاطبهم الله بما يعرفون في كلامهم، والمعنى ما ذكرت.
وقوله: (إن ربي على صراط مستقيم) ، يقول: إن ربي على طريق الحق، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسيء بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم شيئًا ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به .. تفسير الطبري
قال الشيخ محمد الشعراوي، إمام الدعاة، في تفسيره لقوله تعالي: «إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» سورة هود الآية 56، إن هود عليه السلام يعلن لهم حقيقة أنه يتوكَّل على الله تعالى الذي لا يعلوهم فقط، ولا يرزقهم وحدهم، بل هو الآخذ بناصية كل دابَّة تدُّب في الأرض ولها حرية وحركة، والناصية هي مقدّم الرأس، وبها خصلة من الشعر.
وأضاف الشعراوي، «وحين تريد إهانة واحد فأنت تمسكه من خصلة الشعر هذه وتشدُّه منها، مشيرًا إلى أن الحق سبحانه وتعالى يقول: «يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام» [الرحمن: 41]. وفي آية أخرى يقول الله سبحانه: «كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصية» [العلق: 15].
وتابع: إذن فكيف لم يجرؤ قوم عاد على أن يسلِّطوا مجموعة ثعابين، وأعداداً من الكلاب المتوحشة مثلاً على سيدنا هود عليه السلام، ولم يستطيعوا ذلك، وقد أعلن لهم سبب عجزهم عن الإضرار به حين قال لهم: «مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» [هود: 56].
وأوضح أن هود عليه السلام قال في صدر الآية: «رَبِّي وَرَبِّكُمْ» [هود: 56]، وفي عَجزُ الآية قال: «إِنَّ رَبِّي» [هود: 56]، والسبب في قوله: {رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 56] أنهم كانوا قادحين في مسألة ربوبية الحق سبحانه، لذلك قال عليه السلام في مجال السيطرة: {رَبِّي وَرَبِّكُمْ} أما في عجز الآية فقال: {إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود: 56].
واستكمل: أي: أن الإله الواحد سبحانه له مطلق العدالة، ولم يأتِ هنا بشيء يخصُّ أربابهم؛ لأنه هنا يتحدث عن مطلق عدالة الحق سبحانه.
وأفاد: الحق سبحانه وتعالى على صراط مستقيم في منتهى قُدرته، وقَهْره وسيطرته، ولا شيء يُفلت منه، ومع كل قدرة الله تعالى اللامتناهية فهو لا يستعمل قهره في الظلم، ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: «فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ».

لطفا مشاركه الموضوع

شكرا لك على قراءتك العطره جزاك الله كل خير