هل تخيّلت يومًا أن يكون هناك إنسان عاش بين الناس، لكن الله اصطفاه بمرتبة عالية حتى رفعه إليه مكانًا عليًّا؟ إننا نتحدث عن إدريس، نبي القرآن الذي ورد ذكره في آيات قليلة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في النفوس، وفتحت أبواب التأمل أمام الباحثين عن الحقيقة. إدريس ليس مجرد اسم في كتاب قديم، بل هو شخصية تحمل معاني الحكمة، والجدّ، والجدارة، وتمنح القارئ فرصة لاكتشاف جانب مختلف من العلاقة بين الإنسان والسماء.

حين تقرأ قوله تعالى: “ورفعناه مكانًا عليًّا” تشعر وكأنك أمام مشهد مهيب، إنسان يسير فوق الأرض، لكن قلبه وعقله يرتفعان إلى آفاق أعلى من حدود البشر. وهنا تبدأ الحكاية: كيف عاش إدريس؟ ماذا يعني أن يكون نبيًا في القرآن؟ وما الدروس التي يمكن أن نتعلّمها اليوم من مسيرته؟

إدريس هو واحد من الأنبياء الذين اصطفاهم الله، وقد قيل إنه أول من خط بالقلم، وأول من نظر إلى السماء ليتأمل في النجوم، يبحث في أسرار الكون بعقل وقلب ممتلئين بالإيمان. تخيّل إنسانًا يعيش في زمن بدائي، لكنه لا يكتفي بالطعام والشراب، بل يسعى لترك أثر، يعلم الناس كيف يكتبون، كيف ينظّمون حياتهم، وكيف يرتقون بعقولهم. هذا المعنى وحده يكفي لندرك أن ذكر إدريس في القرآن لم يكن صدفة، بل رسالة خفية لكل من يريد أن يجعل حياته أكثر من مجرد مرور عابر.

ما يلفت النظر أن القرآن لم يسرد تفاصيل طويلة عن حياة إدريس، بل اكتفى بإشارات عميقة: أنه نبي، صديق، وأن الله رفعه مكانًا عليًا. ربما لأن المغزى ليس في الحكاية الطويلة، بل في المعنى المركّز. كأن الله يريدنا أن نلتقط الجوهر: أن القيمة ليست بعدد السنوات التي تعيشها، بل بمدى صدقك، واجتهادك، وحكمتك، وإخلاصك.

لو تأملنا معنى “رفعناه مكانًا عليًا”، لوجدنا أنها ليست مجرد حركة جسدية، بل حالة معنوية وروحية. فكم من إنسان يعيش بيننا، لكن أعماله وأفكاره عالية، تتجاوز حدود الزمان والمكان. وكم من آخر يعيش طويلًا، لكنه يبقى حبيس الأرض، لا يترك أثرًا سوى خطوات تُمحى مع أول هبة ريح. إدريس هو النموذج الأول لذلك الإنسان الذي قرر أن يرفع نفسه بالإيمان والعلم، قبل أن يرفعه الله تكريمًا له.

في حياتنا اليوم، نحن بحاجة شديدة إلى أن نستعيد روح إدريس. أن نتذكر أن التفوق لا يأتي من الكسل ولا من الاستسلام، بل من الاجتهاد المستمر، من أن تكون “صديقًا” في أقوالك وأفعالك، صادقًا مع نفسك والآخرين. أن تسعى للعلم، لا لمجرد المعرفة النظرية، بل لتصنع به فرقًا حقيقيًا في حياة الناس. إدريس لم يكن في زمن جامعات ومكتبات، لكنه فهم مبكرًا أن القلم هو أعظم وسيلة لتغيير العالم، وأن الكلمة الصادقة تملك قوة تفوق السيوف.

تأمل واقعنا اليوم: التكنولوجيا، الكتب، المقالات، مواقع الإنترنت. كل هذه وسائل يمكن أن تجعل منا “إدريسيين” جدد، إذا اخترنا أن نستخدمها للخير والعلم والارتقاء. لكن إن تركناها تضيع في اللهو والسطحية، فلن تزيدنا إلا غرقًا في التفاهة.

وهنا يظهر الدرس العملي من قصة إدريس في القرآن: أن الطريق إلى المكانة العالية ليس مستحيلًا، بل مفتوح أمام كل إنسان. ليست هناك عوائق تمنعك من أن تبدأ بقلم صغير، بفكرة، بكلمة، ثم تنمو وتثمر. ليست الشهرة ولا المال هي ما يرفع الإنسان، بل صدقه، علمه، إخلاصه، وعمله الدؤوب.

قد تقول: وما الفائدة من الاقتداء بنبي عاش قبل آلاف السنين؟ الجواب بسيط: القيم لا تموت. كما أن النار التي اكتشفها الأوائل ما زالت تضيء بيوتنا، كذلك الحكمة التي عاشها إدريس ما زالت قادرة أن تنير عقولنا وقلوبنا. فإذا كان هو قد رفعه الله مكانًا عليًا، فبإمكاننا أن نرتقي نحن أيضًا، كلٌ على قدر صدقه وسعيه.

إن أجمل ما يمكن أن نختم به رحلة إدريس هو أن ندرك أن القرآن لا يذكر شيئًا عبثًا. فإذا ذكرت شخصية ما، فلابد أن وراءها عبرة عميقة. والعبرة هنا واضحة: عش حياة صادقة، وابحث عن العلم، وكن صبورًا، واسعَ إلى أن تترك أثرًا خالدًا. عندها، ستشعر أن خطواتك اليومية مهما بدت بسيطة، هي في حقيقتها درجات في سلم الارتقاء.

فلنحاول أن نكون مثل إدريس، نكتب، نتعلم، نرتقي، نصدق، ثم نرفع أنفسنا قبل أن يرفعنا الله. وإذا كنت تريد أن تبدأ رحلة حقيقية نحو تطوير ذاتك وتغذية روحك بالعلم والمعرفة، فأدعوك لزيارة موقعي tslia.com
، حيث ستجد مقالات وأفكارًا تساعدك على أن تخطو خطواتك الأولى نحو مكانك العالي الخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *