إن صلة الرحم ليست مجرد فضيلة اجتماعية أو عادة موروثة، بل هي عبادة عظيمة أمر الله تعالى بها في كتابه الكريم، وحث عليها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، حتى جعلها سببًا لطول العمر وزيادة الرزق، ومفتاحًا لنيل رضا الله عز وجل. فالمجتمع الذي تسوده صلة الأرحام مجتمع متماسك متحاب، يشيع فيه الأمن والطمأنينة، وتنتشر فيه البركة والخير. ولأجل ذلك كان من الضروري أن نعيد اكتشاف قيمة هذه العبادة العظيمة في حياتنا، وأن ندرك أثرها العميق في الفرد والأسرة والمجتمع.
صلة الرحم هي التواصل الدائم مع الأقارب بالزيارة أو السؤال أو المساعدة، سواء كانوا قريبين أم بعيدين، أغنياء أم فقراء، صالحين أم مقصرين. وقد جاء في الحديث الشريف أن الرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: «إيمان بالله ثم صلة الرحم»، مما يدل على عظم شأنها وعلو مكانتها. بل إن القطيعة من الكبائر التي تهدد سلامة القلب وتهدم العلاقات الإنسانية، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها بقوله: «لا يدخل الجنة قاطع رحم».
وإذا تأملنا في أثر صلة الرحم على الفرد وجدنا أنها تمنحه السكينة النفسية والطمأنينة القلبية، فهي تبعد عن الإنسان شعور العزلة والوحدة، وتجعله دائمًا في دائرة من المحبة والدعم المتبادل. كما أن بر الوالدين ورعاية الأقارب المسنين وتفقد أحوالهم يفتح للإنسان أبواب الدعاء المستجاب والرحمة الإلهية. أما على مستوى الأسرة فإن صلة الأرحام تذيب الخلافات وتقرّب القلوب، وتجعل البيت متينًا يقوم على المودة والتراحم، فلا مكان للخصام أو الجفاء.
أما على مستوى المجتمع، فإن صلة الرحم تعني وحدة الصف وتماسك البنيان. فحين يهتم كل فرد بقريبه ويقف بجانبه في الشدة، يقل عدد المحتاجين والمتروكين بلا سند، ويزداد التعاون والتكافل، ويختفي الحقد والحسد. ومن هنا نفهم سر ارتباطها بالبركة في الرزق وطول العمر، فالمجتمع الذي يقوم على هذه القيم هو مجتمع يباركه الله ويزيده قوة.
ومن المؤسف أن الانشغال بأمور الحياة الحديثة ووسائل التواصل الافتراضية جعلت كثيرًا من الناس يهملون صلة أرحامهم، فاكتفوا برسائل سريعة على الهاتف أو تعليقات عابرة على مواقع التواصل. لكن صلة الرحم الحقيقية لا تقتصر على الكلمات، بل تتجلى في المواقف العملية، كالزيارة والسؤال والمساعدة المادية والمعنوية. فالأرحام لا يحتاجون فقط إلى رسالة تهنئة، بل إلى لقاء دافئ وكلمة صادقة ويد عون في وقت الحاجة.
ولكي نحيي هذه السنة العظيمة، علينا أن نبدأ بخطوات بسيطة ولكن مؤثرة. يمكن أن نخصص يومًا في الأسبوع لزيارة أحد الأقارب، أو نتذكر في المناسبات أن نقدم الهدايا ونشارك الأفراح والأتراح. ويمكننا أن نصل أرحامنا البعيدين عبر الاتصال أو الدعم من بعيد، المهم أن يشعروا بأننا لا ننساهم. كما أن تعليم الأبناء قيمة صلة الرحم منذ الصغر يضمن استمرارها عبر الأجيال، ويجعلها جزءًا من هويتهم وتربيتهم.
ولا ننسى أن صلة الرحم تكون مع الجميع، حتى مع الأقارب الذين قد يسيئون إلينا أو يقصرون في التواصل معنا. فالمؤمن الحق يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه، وهذا هو السلوك الذي يرفع الإنسان عند الله ويجعله من أهل الإحسان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». فهذا يبين أن الصلة ليست تبادلًا مصلحيًا، بل عبادة خالصة لله ومقياس للإيمان الحقيقي.
إن استحضار ثمار صلة الرحم في الدنيا والآخرة يجعلنا أكثر حرصًا على ممارستها. فمن ثمارها في الدنيا: سعة الرزق، طول العمر، محبة الناس، راحة القلب، قوة المجتمع. أما في الآخرة فهي سبب لرضا الله والفوز بالجنة والنجاة من غضب الرب. ولعل أجمل ما يميزها أنها تجمع بين عبادة الله وخدمة الناس، فهي عبادة اجتماعية تثمر خيرًا مضاعفًا على الفرد والمجتمع.
في الختام، صلة الرحم ليست أمرًا ثانويًا أو اختيارًا، بل هي فرض واجب ووصية ربانية. وإذا أردنا أن ننعم بحياة مليئة بالبركة والسعادة فعلينا أن نتمسك بها ونحييها في قلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا. ولنبدأ اليوم قبل الغد، فخطوة صغيرة نحو قريب منسي قد تكون سببًا في رضا الله وفتح أبواب الخير.
زوروا موقعنا tslia.com لتجدوا المزيد من المقالات الملهمة التي تنير حياتكم وتدفعكم نحو الأفضل، ولنجعل من صلة الرحم أسلوب حياة يعيد البركة والدفء إلى قلوبنا جميعًا.