تُعتبر الغيبة والنميمة من أخطر الآفات الاجتماعية التي تُهدد تماسك المجتمعات وتُضعف الروابط الإنسانية بين الناس، وهما من الكبائر التي حذّر منها الإسلام تحذيرًا شديدًا لما فيهما من فسادٍ للأخلاق وإشاعةٍ للعداوة والبغضاء بين الأفراد. فالغيبة تعني ذكر الإنسان أخاه بما يكره في غيبته ولو كان فيه ما يُقال، أما النميمة فهي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد وإشعال الفتنة. وبين هذين السلوكين المذمومين تنشأ مشكلات اجتماعية لا تُحصى، ويُحرم الإنسان بركة وقته وراحة قلبه وطمأنينة حياته.

لقد وصف الله سبحانه وتعالى الغيبة في القرآن الكريم بأبشع صورة حين شبّهها بأكل لحم الأخ الميت، فقال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات: 12]، وهذا التشبيه البليغ يوضّح بشاعة الفعل وقبح أثره. وفي السنة النبوية وردت أحاديث كثيرة تؤكد حرمة الغيبة والنميمة، منها قول النبي ﷺ: “لا يدخل الجنة نمّام”، مما يبين خطورة هذا الذنب العظيم.

والحكمة من تحريم الغيبة والنميمة ليست فقط في كونهما ذنبًا بين العبد وربه، بل لآثارهما المدمرة على المجتمع. فالمجتمع الذي تنتشر فيه الغيبة والنميمة يصبح مجتمعًا مليئًا بالشكوك والعداوات، ويضعف فيه التعاون والثقة، وينتشر فيه الحسد والبغضاء. كما أن الغيبة والنميمة تسرقان وقت الإنسان وجهده فيما لا ينفع، وتُوقعه في الإثم دون أن يدرك، بل وربما اعتاد عليهما حتى صارا جزءًا من أحاديثه اليومية.

ومن المؤسف أن الغيبة والنميمة قد تُمارسان أحيانًا باسم المزاح أو الفضفضة أو حتى النصيحة، فيظن الإنسان أنه غير آثم، وهو في الحقيقة يغتاب أو ينقل الكلام بما يضر. لذا كان واجبًا على المسلم أن يُحسن ضبط لسانه، وأن يتذكر أن الكلمة مسؤولية، وأنها قد تكون سببًا في رفعه أو هلاكه. يقول النبي ﷺ: “وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم”.

الوقاية من الوقوع في الغيبة والنميمة تبدأ من تربية النفس على مراقبة الله تعالى، واستحضار أن كل كلمة تُقال تُسجل في صحائف الأعمال. كما أن الانشغال بالعبادة والطاعة، وذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والانغماس في الأعمال المفيدة، يقي الإنسان من الانجرار وراء هذه الآفات. ومن الوسائل النافعة أيضًا أن يتذكر المرء عيوبه ونقائصه، فذلك يشغله عن ذكر عيوب الناس. وإذا وجد الإنسان نفسه في مجلس يُذكر فيه أحدٌ بسوء، فعليه أن ينكر ذلك، أو يغيّر الحديث، أو يغادر المجلس إذا لم يستطع.

كما أن على المسلم أن يُحسن الظن بالآخرين، وأن يلتمس الأعذار لهم، فذلك أدعى للسلامة وأبعد عن الوقوع في الغيبة والنميمة. قال بعض السلف: “إياك أن تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملا”.

ولا شك أن الغيبة والنميمة لا تضر الآخرين فقط، بل تعود على صاحبها أولًا بالضرر العظيم؛ فهي تُطفئ نور القلب، وتحرمه لذة الطاعة، وتُدخل الهم والضيق إلى صدره، وتكون سببًا في سوء الخاتمة إن لم يتب منها. وقد ورد في الأثر أن بعض الناس يُعذَّبون في قبورهم بسبب الغيبة والنميمة، مما يدل على خطورة الأمر.

والتوبة من هذا الذنب العظيم واجبة، وهي تتحقق بالندم على ما فات، والإقلاع عن الغيبة والنميمة فورًا، والعزم على عدم العودة، إضافةً إلى الاستغفار لمن اغتيب والدعاء له بالخير، وإن كان ما قيل قد بلغ المظلوم فيُستحب طلب العفو منه، حتى تبرأ الذمة ويصفو القلب.

إن اللسان نعمة عظيمة وهبها الله للإنسان ليشكره بها ويستعملها في الخير، فلا ينبغي أن يُستعمل في ما يُغضب الله ويهدم العلاقات. وإذا أدرك المسلم خطورة كلماته وأثرها، فسيحرص على أن يجعل لسانه رطبًا بذكر الله لا بذكر الناس بسوء.

وفي النهاية، لا بد أن نتذكر أن حفظ اللسان باب عظيم من أبواب النجاة في الدنيا والآخرة، وأن الغيبة والنميمة ليستا مجرد أخطاء صغيرة في الحديث، بل هما من الكبائر التي تستوجب التوبة النصوح والحرص على إصلاح ما أفسدناه من علاقات. فالمسلم الصادق هو الذي يحرص على بناء جسور المحبة بين الناس لا هدمها، وعلى نشر الخير بدل نشر السوء. فلنحذر جميعًا من هذه الآفات المدمرة، ولنجعل من ألسنتنا مصدرًا للخير والذكر، لا أداةً للشر والفرقة.

زوروا موقع tslia.com لتجدوا المزيد من المقالات المفيدة التي تساعدكم على تهذيب النفس وبناء مجتمع متماسك، وكونوا دائمًا سبّاقين إلى الخير.

الغيبة #النميمة #حكمالغيبة #حكمالنميمة #آفات_اللسان #الإسلام #كبائر #أخلاق #مجتمع #tslia

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *