اليوم حديثنا عن صحابي جليل .. كان فيه خصلة عظيمة من خصال الخير، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سمع صوته في الجنة وهو يقرأ القرآن، ومدحه وقال عنه إنه أبر الناس بأمه.
هذا الصحابي رضي الله عنه من الأنصار، وكان قد أسلم على يد مصعب بن عمير أول سفراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة تمهيدًا للهجرة، وكذلك أسلمت أمه جعدة بنت عبيد وأسلمت كذلك أسرته كلها.
وعندما جاءت الهجرة النبوية المشرفة استقبل هذا الصحابي الجليل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يتردد على الدار التي نزل فيها كثيرًا حيث نزل عند قريبه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، بل كان من كرم أخلاقه أنه لما علم أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قد تزوج السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها في بيت بعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنازل عن منزله القريب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإمام علي والسيدة فاطمة رضي الله عنهما، لكي تقر عين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقربهما.
وتكرر نفس الأمر عندما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المؤمنين السيدة صفية رضي الله عنها، فترك لهما منزله كذلك وانتقل لمنزل أخر.
إنه الصحابي الجليل حارثة بن النعمان، صاحب القدر الكبير الذي كان بارًا بوالديه، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارىء يقرأ ، فقلت: من هذا؟ .. قالوا: هذا حارثة بن النعمان. فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: “كذاك البر، كذاك البر “، وكان أبر الناس بأمه”.
وكان من بر حارثة بأمه كما ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان يطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به، حتى يسأل مَن عندها بعد أن يخرج: ماذا قالت أمي؟.
ونال هذا الصحابي البار بأمه شرف رؤية أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام مرتين، فيحكي لنا حارثة بن النعمان فيقول: “رأيت جبريل من الدهر مرتين :يوم الصورتين ” موضع بالمدينة ” حين خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني قريظة، مر بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس السلاح .
ويوم موضح الجنائز حين رجعنا من حنين ، مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم أسلم.
فقال جبريل: من هذا يا محمد؟ قال: “حارثة بن النعمان ، فقال: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة، ولو سلم لرددنا عليه”.